إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية يلقي خطبة عيد الأضحى من إسلام أباد في المملكة المتحدة

  "إذا أنشأنا علاقة متينة مع الله تعالى، فسوف تتبخر هذه المعارضات في لمح البصر إن شاء الله تعالى" - حضرة ميرزا مسرور أحمد.

ألقى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية، الخليفة الخامس، حضرة ميرزا مسرور أحمد، خطبة عيد الأضحى في 29/06/2023 من المسجد المبارك في إسلام أباد، تيلفورد.

وقد تمكن ملايين المسلمين الأحمديين في جميع أنحاء العالم من الاستماع مباشرة إلى خطبة العيد التي ألقاها خليفتهم وانضموا إليه في الدعاء الصامت عبر قناة إم تي إيه الدولية.

خلال الخطبة، تحدث حضرته عن الفلسفة العميقة وراء التضحية بحيوان في العيد، وسلط الضوء على المصاعب التي يواجهها المسلمون الأحمديون في باكستان حيث يُمنعون من الوفاء بالتزاماتهم الدينية بالتضحية بالحيوانات في العيد.

في بداية خطبته، اقتبس حضرة ميرزا مسرور أحمد الآية 38 من سورة الحج من القرآن الكريم التي تقول:

"لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ".

ومتحدثًا عن وضع المسلمين الأحمديين في باكستان، قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:

"يضحي الأحمديون في باكستان بعواطفهم أيضا في يوم العيد هذا. فالأحمديون بفضل الله تعالى معتادون على التضحية بأموالهم، بل في هذا العصر، يدرك الأحمديون أهمية التضحية بحياتهم أيضا خالصة لوجه الله وقد لا يدرك ذلك مثلهم أحد آخر.... فحين لا يستطيعون تقديم هذه التضحية من المتعذر تقدير عواطفهم. ففي باكستان يُمنع الأحمديون من هذه التضحية بالحيوانات استنادا إلى القانون، وكل ذلك يحدث بتوصية من المشايخ.".

وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلًا:

"مع أن المحكمة العليا هناك قد قالت توضيحا للقانون الذي يُمنع الأحمديون استنادا إليه، إن الأحمديين يمكن أن يؤدوا عبادتهم ومناسكهم داخل الجدران الأربعة، لكن بعض المسئولين يَمنعون الأحمديين حتى من ذلك إما خوفا من المشايخ أو عنادا من عند أنفسهم، فهم يخافون الناس أكثر من خوفهم اللهَ تعالى، ولا يعرفون أن الظلم لا يدوم طويلا، فهؤلاء الذين يفعلون ما يريدون سكرانين بقوتهم، سيبطش الله بهم يوما، إن شاء الله.

أما الأحمديون الذين يُفرض عليهم أن يضحوا بعواطفهم، ومعلوم أن التضحية بالعواطف ليس أمرا هينا، يجب أن يسعوا ليحوِّلوا عواطفهم في هذه الأيام إلى الضراعة إلى الله تعالى، ففي الدعاء قوة عظيمة.

فإنما كانت ضراعة السيدة هاجر وسيدنا إسماعيل عليهما السلام واضطرارهما وتوكلهما على الله قد فجَّر ينبوع الماء هناك، وعمَّر مدينة صارت مركز الإسلام"

 وأضاف حضرة ميرزا مسرور أحمد:

"من واجبنا ألا نتعلم من عيد القربان التضحية بذبح الحيوان فحسب، فالأصل هو ابتغاء رضوان الله تعالى والسعيُ لإحراز التقوى".

وقال حضرته إنه بينما يُمنع المسلمون الأحمديون من تقديم التضحيات، هناك أناس في باكستان ينفقون مبالغ كبيرة على شراء حيوانات باهظة الثمن للتضحية بها وتوزيعها على الناس، على الرغم من حقيقة أن ثرواتهم لا تكسب بطريقة مشروعة .

قال حضرة ميرزا مسرور أحمد متحدثًا عن الأوضاع الاقتصادية في باكستان:

"في باكستان من ناحية هناك تضخم اقتصادي، ومن ناحية أخرى يشتري الناس الحيوانات بمئات الألوف من الروبيات، مع أن الأسعار قد ارتفعت كثيرا. فلو عاش هؤلاء بإيمان ودفعوا الضرائب كما يجب لانتهى التضخم الاقتصادي في باكستان، ولما دُمر اقتصاد البلاد. على كل حال إن المجتمع هناك كله فاسد، فلن يفيد أي قول... أما الأحمديون فإن كانوا يبتغون وجه الله تعالى فعليهم فحص أنفسهم سائرين على دروب التقوى. إذا كنا متقين، وكانت أعمالنا كلها لوجه الله تعالى، فإن الله الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم مشاعرنا وأحاسيسنا، يمكن أن يعطينا الأجر على الأضاحي التي لا نتمكن من ذبحها...إذا بلغنا ذلك المستوى من التقوى، وأنشأنا علاقة متينة مع الله تعالى، فسوف تتبخر هذه المعارضات في لمح البصر إن شاء الله تعالى، وسوف نقوم بالمناسك كلها بحرية تامة.".

وقال حضرته إنه في حين أن الروح الكامنة وراء التضحية بحيوان في العيد مهمة جدًا، فإن للقيام بذلك بصورة مادية أهمية قصوى أيضًا، لذا يجب على أولئك المسموح لهم والقادرين على ذلك تقديم التضحية بكل تأكيد.

قال حضرة ميرزا مسرور أحمد موضحًا أهمية التضحية:

"هذه القرابين الظاهرية سُنّة النبي ﷺ إذ كان يقوم بها تأسيًا بسُنّة سيدنا إبراهيم عليه السلام. وقد أحيا الإسلامُ سُنّة إبراهيم عليه السلام بوجه خاص. وكان النبي ﷺ يضحي نيابة عن الفقراء. أنتم الذين تعيشون في هذه البلاد لا تقدرون على أن تقدِّروا مدى فرحة الذين يُعطَون لحوم الأضاحي في البلاد الفقيرة. يوجد في تلك البلاد أناس كثيرون لا يستطيعون أن يأكلوا اللحم لسنتين... هذه التضحيات الظاهرية هي أيضا وسيلة لأداء حقوق العباد، وبسببها يزداد المرء حبا لله تعالى لأن الإنسان يقدمها خدمة لخلق الله وحبا له.".

وقال حضرة الخليفة إن للأفعال المادية تأثير على روحانية الإنسان وكلاهما متشابك، لذا يجب أيضًا تنفيذ الفعل المادي والتضحية بالحيوانات في العيد لأن هذا يلفت الانتباه إلى التضحية التي يجب على المرء القيام بها والتي هي التضحية بعواطفه ومشاعره في سبيل الله تعالى.

قال حضرة ميرزا مسرور أحمد متحدثًا عن فائدة التضحية بالحيوانات بمناسبة العيد:

"وراء كل أمر إسلامي هناك حكمة وفلسفة، يكتب بعض الناس أنه ما الفائدة من الأضاحي أو الصدقات التي تكون في صورة الذبائح الحيوانية فقط، كان من الأفضل لو كانت هذه الأموال أُنفقت على عمل كذا. معظم هؤلاء الناس لا ينقصهم الطعام والشراب، لذلك فهم لا يفهمون أهمية الطعام الظاهري. ليس لديهم أي فكرة عن حالة أولئك الذين لا يتيسر لهم حتى الطعام العادي ناهيك عن اللحم. إلا أنه من الصواب تمامًا أن ذوي السعة حين ينفقون مئات الآلاف على أضاحي العيد عليهم أن يقدموا شيئًا للفقراء لاحتياجاتهم الأخرى ويلبوا حاجاتهم.".

قال حضرة ميرزا مسرور أحمد في ختام خطبته:

"وفّقنا الله تعالى لفهم روح التضحيات مع هذا التفكير، كما وفقنا لجعل حالاتنا تابعة لإرادة الله تعالى مُنشئين التقوى في أنفسنا. وأن نكون لله خالصةً، وأن يخلق الله لنا سبل الخلاص".